تمزيق وحدة الصَّومال الكُبرى
بتخطيط أعدائه وتنفيذ أبنائه
المقال السادس
كتبه الدكتور/ عمر إيمان أبوبكر
1443هـ= 2022م
الأسباب التي يتذرَّع بها الانفصاليون عن الدَّولة في كل بلد
إن الأمة التي يمكن أن تتحد تحت راية واحدة لا بد من أن تشترك في قاسم مشترك، والقواسم المشتركة تختلف من بلد إلى آخر وجوداً وعدماً، وهي كثيرة، لكن منها خمسة تكاد تكون هي محورية، وهي: الدين، والعرق، والأرض والقومية.
وبما أننا نتحدث عن وحدة الصومال في هذه المرحلة فلسنا بحاجة إلى الحديث عن كل تلك القواسم السابقة، ولكننا ننبه أن تلك القواسم المشتركة كما تكون عنصراً مهما في توحيد فئات المجتمع، فقد تُستخدم هي أيضاً سبباً للتفريق فيما بينها إن أسيء استخدامها.
ومهما يكن من أمر فتلك الأسباب الأربعة كلها من أسباب التوحُّد، ولا يجوز بحال أن تستخدم تبريرا لانفصال جُزءٍ من البلد عن البقية إلا الاختلاف في الدين، فإنه يجوز بسببه الانفصال عن البقية، وإليك ذكر كل سبب على حِدة، وبيان حُكمه الشرعي اجتماعاً وافتراقاً بالنسبة للشعب الصومالي.
1ـ العِرق
لا يوجد في الشعب الصومالي اختلاف في العرق، ولا قوميات مختلفة لأن الشعب الصومالي كما ذكرنا غير مرة يَرجع إلى قومية واحدة تتفرع إلى قبائل شتى، فمشكلة اختلاف العرق غير موجودة في الصومال أصلاً، ولهذا فلسنا بحاجة إلى الحديث عنها.
2 ـ الدين
نقف عند هذه النقطة وإن كان الصوماليون كلهم مسلمين لكن هناك صوماليون مسلمون في المناطق المحتلة لكنيا، أو إثيوبيا، وهم يختلفون عن أهل ذينك البلدين في الدين، وعليه نقول: إذا كان أهل البلد الواحد يختلفون في الدين بين مسلمين وكفار، فهذا له حالات، على حسب كل حالة تنزَّل الأحكام الشرعية.
الحالة الأولى: أن يكون المسلمون هم الأغلبية في البلد، والحكمُ في يدهم بحيث يكون الرئيس منهم، والسلطة بيدهم، فهذا لا داعي لأن يسعى المسلمون إلى فصل الأقلية عنهم لأن بقاء تلك الأقلية لا تَضِيرهم، وعلى المسلمين أن يُحسنوا التعامل معها على ضوء الشريعة الإسلامية، وعليهم أن يقوموا بالواجب تجاههم في دعوتهم إلى الإسلام، ولا يجوز ـ والحالة هذه ـ أن يكون الحكمُ بيد الأقلية الغير المسلمة تتحكم في الأغلبية المسلمة كما هو في بعض البلدان، وعلى المسلمين أن يسعوا بأيِّ وسيلة ممكنة إلى تسلُّم الحكم من هذه الأقلية المتحكمة فيهم، إن وجد ذلك.
وهذه الصورة (أعني تحكُّم الأقلية في الأغلبية المسلمة) تنطبق على المسلمين في إثيوبيا، فالمسلمون من جميع القوميات يشكلون وفق التقديرات الأخيرة أكثر من سبعين بالمائة، فالقومية الصومالية، والعفرية، وبنو شنغول هم في الأصل من السودان) كلهم مسلمون، وسكان إقليم هرر كلهم مسلمون، وكذلك سكان مدينة دررطبو، أغلبيتُهم مسلمون إلا قلة من الحبشة الوافدة على المدينة، والقومية الأورومية، وهي أكثر القوميات في إثيوبيا عدداً، غالبيتُها مسلمة، وفي بقية القوميات الأخرى أقلية مسلمة، وبمجموعهم يشكل المسلمون في إثيوبيا الأكثرية، ومع هذا فالحكم دائماً بيد النصارى بدعم من الدول الغربية.
وأمامَ المسلمين في إثيوبيا خياران لا ثالث لهما: إما أن يسعوا إلى أن يحكموا البلاد بأي وسيلة ممكنة، فإن لم يمكنهم ذلك، فعليهم أن ينفصلوا عن الأقلية النصرانية المتحكمة فيهم منذ قديم الزمان، وهم الحبشة، والانفصال هو مطلب القومية الصومالية منذ استقلال الصومال (الأم) لينضموا إلى إخوانهم في الصومال الكبير.
الحالة الثانية: على العكس من الحالة الأولى كأن يكون المسلمون أقلية في البلد، والحكم بيد الأغلبية الكافرة، وهذه لها صورتان:
الصورة الأولى: أن يكون بإمكان الأقلية المسلمة أن تنفصل عن الأغلبية الكافرة من غير ضرر كبيرٍ عليهم يُذهب بمصالحها الدينية والدنيوية شريطة أن تكون قادرةً على إقامة دولة خاصة بها، إما بنفسها وحدها، أو بالانضمام مع إخوانهم المسلمين في الدول المجاورة لها، ففي هذه الصورة يجب عليهم أن يسعوا إلى الانفصال عن الأغلبية الكافرة لأنه لا يجوز لمسلم أن يبقى تحت ولاية الكافر، وهو قادر أن يَخرج منها لقول الله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا).
وهذه الصورة تنطبق على الصوماليين في كينيا، فيمكن لهم إقامة دولة خاصة بهم لأن المناطق التي يسكنون فيها منفصلة جغرافياً عن بقية مناطق الأغلبية الكافرة، كما يمكن لهم أن ينضموا بعد انفصالهم إلى إخوانهم المسلمين في الصومال المجاور.
الصورة الثانية: أن يكون المسلمون أقلية صغيرة في البلد، ولا يمكن لهم إقامة دولة مستقلة عن البلد لقلتهم، ولا يجدون بجوارهم من ينضمون إليهم من المسلمين لطبيعة جغرافية منطقتهم كأن تقع وسط البلاد، وهم محاطون بغيرهم من الكفار من كل جهة، فإن أمكن لهم في هذه الحالة أن يقيموا حكماً ذاتياً خاصاً بهم، فعليهم السعي إلى ذلك، وإن لم يمكنهم لا هذا ولا ذاك، فعليهم أن يسعوا إلى إيجاد مجلس إسلامي يَربط بين أفراد المسلمين في ذلك البلد بحيث يكون مَعنيَّاً بشؤون المسلمين للاحتفاظ بهويتهم المسلمة، وتسهيل إقامة شعائرهم التعبدية، وأحوالهم الشخصية، ومطالبة حقوقهم المدنية في ذلك البلد.
ملحوظة: في هذا العصر لا يمكن للأقليات المسلمة في البلاد الكفار الهجرةُ منها إلى بلدان المسلمين، فليس هناك دولة تستقبلهم على أراضيها، وخيرُ شاهد على ذلك ما يحصل لإخواننا الروهينغا، وهم يتعرضون للإبادة الجماعية والاضطهاد على أساس الدين على أيدي البوذيين، والعالم يتفرج عليهم، ولوكانوا يجدون دولة تؤويهم لهاجروا إليها، ولكن الأبواب أمامهم موصدة، وأقرب الدول إليهم من حيث الجغرافيا هي بنغلاديش، وهي دولة مسلمة ومع ذلك تردهم على أعقابهم، ولا تسمح لهم البقاء في بلدها، ومن لجأ إليها قهرا تطالبهم كل يوم بالرحيل من أراضيها لا تراعي فيهم إلَّا ولا ذمةً.
3ـ الأرض الصومالية
أما الأرض الصومالية فمتصلة بعضها ببعض بدءا من مشارف عاصمة إثيوبيا شمالاً وانتهاء بمشارف عاصمة كينيا جنوباً، وليس بين أقاليم الصومال تفاوت كبير في الموارد، فكل إقليم يشتهر بشيء يتميز به عن غيره، ولهذا نستطيع أن نجزم أن الأقاليم الصومالية تتكامل فيما بينها، فلا يستغني إقليم عن غيره من بقية الأقاليم، وهذا التقييم بناء على الوضع الحالي، وقد يكون في المستقل المنظور تفاوتٌ كبيرٌ بين بعضها باكتشاف ثروات نفطية، أو معدنية كالذهب والماس في إقليم دون بقية الأقاليم.
فحتى لو وُجد تفاوت بين الأقاليم في المراد مستقلاً لا يكون ذلك مُبَرِّراً للانفصال باعتبار أن تلك الثروة ملك لذلك الإقليم، فتوزيعُه على جميع المناطق يعتبر عند بعضهم ظلماً، وهذا ليس مقبولاً شرعاً، ولا عقلاً، لأنه لو طُبق هذا المبدأ، فلا تبقى دولةٌ على وجه الأرض إذ لا يوجد إقليم يتساوى مع كل الأقاليم في كل شيء، فلا بد من التفاوت بينها، ثم إن تخصيص ثروة كل إقليم بأهله يلزم منه أن يكون الناس في البلد الواحد متفاوتين طبقياً، فيكون الناس في بعض الأقاليم فقراء في حين أنهم في الإقليم الغني بالثروات يكونون أغنياء، ولا مانع شرعاً وعقلاً من تخصيص بعض تلك الثروة لتطوير ذلك الإقليم على وجه الخصوص، وهذا هو المعمول به في العالم، فمعظم البلدان يكون بين أقاليمها تفاوت في الموارد، ومع ذلك فالجميع يستفيد من تلك الثروة أينما وجدت، ونحن المسلمون أولى في الإيثار من غيرنا.
4ـ القبيلة في الصومال
توزع الشعب في البلد الواحد في قبائل أمرٌ طبيعيٌ لا تخلو منه دولة من دول العالم التي يوجد فيها نظام القبيلة، و لا يمكن أن يكون ذلك مبرراً لتقسيم البلد على ضوءها، ومما يُؤسف له أن الولاء للقبيلة في قرن أفريقا أقوى من الولاء للإسلام، ولهذا تجد القتال بين قوميتين، أو قبيلتين قائماً على أشُدَّه على مر الدهور، بل قد يقف المسلم في وجه أخيه المسلم مدافعاً عن الكافر الذي هو من قبيلته، فالإسلام في قرن أفريقا كما هو الحاصل في القتال الدائر بين قومية تكراي من جهة، والدولة الإثيوبية من جهة ثانية، ففي قومية تكراي أقلية مسلمة، يقفون مع قوميتهم في وجه الجيش الإثيوبي، وفيه أغلبية مسلمة، وقد يتواجه المسلم مع أخيه المسلم وجهاً لوجه فيقتله مستبيحا دمَه، وذنبُه الوحيد أنه ليس من قوميته الفلانية.
فالرجل في قرن أفريقيا إن تعصَّب تعصَّب لقبيلته، وإن حابى يحابي لأجل قبيلته، وإن افتخر افتخر بقبيلته، وإن قاتل يقاتل لأجل القبيلة، وكل يوم يمرُّ على الشعب الصومالي يتعاظم دور القبيلة فيه، لأن الواحد منهم أول ما يفتح عينَه على الدنيا يفتح على القبيلة، ثم عليها يعيش عمرَه إلى أن يموت، فالقبيلة عنده كل شيء لا ينفك عنها، تسير معه حيثما سار، وعلى القبيلة يقوم السِّلم والحرب، فالإسلام ديكور لتجميل الصورة الخارجية للمجتمع الصومالي فقط، ولا تأثير له في الولاء والبراء والنصرة والتأييد.
فالصوماليون كما أشرنا سابقاً كلهم من قومية واحدة تتفرع منها قبائل شتى، وبما أن الصوماليين مسلمون لا يجوز انفصال بعضهم عن بعض بسبب اختلافهم في القبيلة، لأن الأخوة الإسلامية التي تجمعهم تُغني عن غيرها من الروابط الأخرى، فرابطة الدين أقوى الروابط في الدنيا، فيجب أن تتلاشى لأجلها جميع الولاءات الأخرى التي تقوم على غير الإسلام، فالمؤمن أخو المؤمن، وأي اجتماع تحت أيِّ راية أخرى غير راية الإسلام تعتبر جاهلية ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة t«من قاتل تحت راية عِمِّيةٍ([1])، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل فَقِتْلةٌ جاهلية».
والمراد بالراية: الغاية التي يقاتل المرء من أجلها قال النووي: «معناه يقاتل بغير بصيرة وعلم تعصباً كقتال الجاهلية، ولا يعرف المحق من المبطل، وإنما يغضب لعصبة لا لنصرة الدين، والعصبةُ إعانةُ قومه على الظلم»([2]).
تعاظم شأن القبيلة بعد سقوط الحكومة المركزية
وبعد سقوط الحكومة المركزية في تسعينات القرن الماضي، وصل شأنُ القبلية ذروتَه بسبب الحروب الأهلية التي اشتعلت بين القبائل الكبرى، فأتتْ على الأخضر واليابس حتى صار الشعبُ الصَّومالي مهدَّداً بالفناء لو استمرتْ على ما هي عليه، وما زال شأن القبيلة يعظم شيئاً فشيئاً إلى أن تمَّ تقنين القبيلة في الدولة الصومالية الحالية كمرجعية في كل شيء رضوخاً للأمر الواقع، واليوم على ضوء القبيلة يتم تقاسم المناصب الحكومية على أساس القبيلة.
الخلاصة: القبيلة في أفريقا عموماً، وفي في الصومال خصوصاً خرجت عن المكانة التي وضعتها الشريعة الإسلامية من التعارف بها، وصلة الأرحام عليها إلى مقام الولاء لأجلها والبراء والمعاداة عليها، إن القبيلة في الصومال مرَّت بمراحل متعددة، فما زال أمرُها يستفحل يوما بعد يوم حتى صارت القبيلةُ تهدِّد وجود الأمة الصومالية بحيث تعتزم كلُّ قبيلةٍ من القبائل الكبرى على تكوين دولة بمفردها، والانفصال عن بقية القبائل، وهذا الأمر هو الذي من أجله أنشأنا هذا البحث للتحذير من خطورته لأنه إن تمَّ تنفيذ هذا المخطط على حسب الخطة المرسومة له، فلا يبقى بعد ذلك شيء يقال له الصومال، وفي هذا المخطط يتم تقسيم الشعب الصومالي بين الدولتين المجاورتين كينيا جنوبا، وإثيوبيا شمالاً وشرقاً، وهذا مطلب سابقٌ للدولتين المجاورتين طالما كانتا تحلُمان به، لكن الذي لم يخطر ببالهما أن ذلك سيتحقق لهما على أيدي أبناء الصومال أنفسهم.
المبررات في انفصال الشمال عن الجنوب
إن الشعب الصومالي بعد أن عجز عن تحرير أراضيه المحتلة لكينيا، أوإثيوبيا عاد على دولته الحرة بتقسيمها إلى دويلات لتكون عوضاً عن المفقود بكثرة التسميات، وكأنه يقول بلسان حاله: إذا عجزنا عن إقامة الصومال الكبرى، فلتذهب الصومال كلها، ولنرجع إلى ما كنا عليه قبل الدولة الصومالية بحيث تحكم كلُّ قبيلة في مناطقها، وبهذا صار الشعب شبيهاً بمن كان يبحث عن الربح فوقعت الخسارة في رأس ماله.
هذه المبررات المعلنة لانفصال الشمال عن الجنوب هي نفسها تكون هي المبررات لبقية المناطق التي تعتزم على الانفصال مستقبلاً، وتلك المبررات تتلخص في الظلم، أي أن كل إقليم يشكو الظلم من بقية الأقاليم، فلا حل في نظره إلا أن ينفصل عنها، فمن ثلاثين سنة، وبعد سقوط الحكومة المركزية تعلن الأقاليم الشمالية الغربية الانفصال عن بقية الصومال، ولن تكون تلك الأقاليم هي الأخيرة في مسلسل الانفصال، بل هناك أقاليم أخرى في طريقها إلى الانفصال أيضاً، فالفيدرالية الصَّومالية القائمة في وسط وجنوب الصومال تمهيد لتقسيم الصَّومال على ضوئها إلى دويلات.
سبب الانفصال المعلن هو الظلم
فالظلم هو السبب الوحيد في انفصال بعض الأقاليم عن البقية، فقد أعلن الشماليون الانفصال عن بقية الصومال بسبب الظلم الذي عانوا منه طوال بقائهم ضمن الجمهورية الصومالية، فلننظر إلى هذه الشكوى هل تصلح أن تكون مُبَرِّراً كافياً في الانفصال.
أولا: ما يشتكي منه الشماليون من الظلم واقعُ لا يمكن إنكاره، ولا جحده بحال من الأحوال، ومن طبيعة الحال أن يكون بين المكونات التي تعيش في بلد واحد ظالم ومظلوم، فهل وجود الظلم مهما كانت درجته يعني أن كل واحد من تلك الفئات المظلومة يحق لها أن تسعى إلى الانفصال عن البقية. الجواب قطعاً: لا. فإثيوبيا التي تطمع في مزيد من الأراضي الصَّومالية تتكون من قوميات، وقبائل، وأديان مختلفة، ومعلوم أن بعض تلك القوميات كالقومية الأورومية مثلا التي تشكل الأغلبية كانت مظلومة في إثيوبيا عبر التاريخ، ومع ذلك صبرت حتى جاء الوقت المناسب في استرداد بعض حقوقها ضمن الفيدرالية الإثيوبية، وفي نهاية المطاف هي ستحكم إثيوبيا طوعا أوكرهاً.
ثاننا: هل الانفصال هو الطريق الوحيد لإزالة الظلم أم إن هناك طرقاً كثيرة من خلالها يمكن إزالة الظلم، الجواب قطعاً: هناك أكثر من طريق لإزالة الظلم، فلما ذا نلجأ إلى الانفصال مع وجود بدائل أخرى هي أوفق للشرع ولمصلحة الأمة.
ثالثا: اتفق العقلاءُ على أن الظلم لا يزال بما هو أكبر منه، فظلم إقليمٍ معينٍ من قِبل أقاليم أخرى، أو ظلم قبيلة من قبائل أخرى وارد، لكن محاولة إزالة ذلك الظلم بظلم أكبر منه غير جائز شرعاً وعقلاً، فظلم الأمة بتفتيت أوطانها أكبر من جُرم الظلم لقبيلة واحدة، أو إقليم واحد، فالانفصال ظلم للأمة كلها وتعريض لها لخطر الزوال.
رابعاً: ما نوع هذا الظلم الذي يشتكي منه الشماليون، هل هو ظلم نظام، أو ظلم قبائل، أو ظلم مناطق، الجواب: هو ظلم نظام كان حاكماً للبلاد برئاسة محمد سياد بري، وكان ذلك النظام ممثلا فيه جميع القبائل والأقاليم بدرجات متفاوتة، وكان للشماليين النصيب الأوفر في البلاد بعد الرئيس، ولم يكن نظاماً خاصاً بقبيلة، أو إقليم.
خامسا: هل الظلم الذي وقع على الشماليين وقع عليهم خاصة أم إنه وقع على كل القبائل الصومالية على حد سواء مع تفاوت فيما بينها في مقدار الظلم، فنظام محمد سياد بري ظلَم الشعبَ الصومالي قبل كل شيء في دينه، وذلك أعظم الظلم، بحيث فرضَ عليه الاشتراكية، وأعدم بسبب ذلك علماء أجلاء عارضوه في ذلك المبدأ، فهل يعني ذلك أننا جميعا نسعى إلى إنهاء الدولة الصومالية بأكملها من الوجود بسبب ذلك الظلم أم كان علينا أن نسعى إلى إزالة ذلك النظام واستبداله بنظام آخر يحقق المصلحة الشرعية والوطنية في ظل الدولة الصومالية.
ولم يكن الشماليون أول من اكتوى بنار ظلم ذلك النظام بل تجرَّعت بظلم ذلك النظام قبيلة (مجيرتين) التي تقطن في الشمال الشرقي من البلاد، فعُوقبت تلك القبيلة بأكملها بسب ضباط ينتسبون إليها قاموا بمحاولة انقلاب فاشلة على حكومة محمد سياد بري، فاستُبيحت دماؤها، وصُودرت أملاكها، وهُجِّرت كثير من أبنائها من مناطقها، فهل قالت تلك القبيلة: إننا ننفصل عن بقية الصومال بسبب ذلك الظلم الذي وقع بنا من قبل ذلك النظام.
سادسا: هل الانفصال يضع حداً للظلم أم يفتح نوعاً آخر من الظلم على آخرين. الجواب قطعا: إن الظلم قطعاً لا ينتهي بذلك بل قد يزداد به، فالشمال الساعي للانفصال لا تسكن فيه قبيلة واحدة، بل تسكن فيه قبائل، فالقبائل الصغيرة ستكون مظلومة من قبل القبيلة الكبرى في الشمائل لا ينكر ذلك إلا مكابر، أو معاند، فهل يسمح الشماليون للقبائل المظلومة في الشمال أن تنفصل عن البقية أم إن النظام القائم في الشمائل نظام معصوم لا يقع فيه الظلم بحال من الأحوال.
فإذا قلنا: إن الظلم سيقع لا محالة فهل إذا طالب المظلومون في الأقاليم الشمالية الانفصال بمناطقهم عن البقية يوافق القادة في الشمال الغربي على طلبهم. الجواب قطعاً: لا، بل يقولون لهم: لستم مظلومين، وإذا وُجد الظلم على سبيل الفرض، فعليكم أن تسعوا إلى إزالته بالطرق الشرعية من خلال دستور البلد، أما الانفصال فلا، وإذا لم تستطيعوا رفع الظلم عن أنفسكم، وانسدت عليكم جميع الطرق، فعليكم أن تَصبروا على الظلم، ولا يسمح لكم أن تُفكِّرُوا في الانفصال عن البلد ناهيكم عن القيام به لأن ذلك يعتبر خيانة وطنية تُعرِّضون أنفسكم فيها للعقاب، ويحق أن يقول قائل: ولما ذا يكون انفصالُكم عن الصومال البلد الأم جهاداً مشرفاً، والانفصال عنكم في داخل الشمال خيانة وطنية؟.
التزاحم على كرسي الرئاسة سبب رئيسي في الانفصال
العامل الرئيسي في تقسيم البلد الواحد هو أن كرسي الرئاسة لا يتسع لأكثر من شخص، ومن لا يهمه إلا مصلحة نفسه إذا عجز عن الوصول إلى كرسي الرئاسة في البلد الموحَّد، فقد تحدثه نفسُه في البحث عنه في الانفصال، فتحقيق بعض المطالب في نظره أهون من تفويتها كلها، فحتى يُقنِع الناس بذلك يُصوِّرهم أنهم في البلد الواحد مظلومون، وليس من سبيل إلى استرداد حقوقهم إلا بالانفصال عنه، فلا يزال يشحن نفوسهم بذلك حتى يؤمنوا بأن العيش مع الشعب الصومالي في البلد الواحد غير ممكنة، فإذا تضرَّر الناس في الإقليم بالانفصال، ووقع لهم فيه ما لم يكن في الحسبان قال لهم زعيم الانفصال: إن ذلك كله يهون في سبيل حصولكم على الاستقلال، فالاستقلال لا يقدَّر بثمن.
وإذا استفحل الأمر في الإقليم المنفصل، ووصلت حياتهم فيه إلى طريق مسدود، فبدلاً من أن يعترف الزعيم بذنبه يحمَّل عليهم مسؤولية فشل الانفصال قائلا لهم: ليست المشكلة في الانفصال، ولكن المشكلة فيكم أنتم، فأنتم أيها الشعب في هذا الإقليم دون المستوى المطلوب في إدارة دولتكم المستقلة، فلا تلوموا إلا أنفسكم فأنتم غير نافعين لا في الوحدة، ولا في الانفصال، فلا يستطيع الشعب المسكين أن يفعل شيئاً أمام هذا الزعيم، فلا هو يستطيع الاستمرار معه في النفق المظلم كما لا يستطيع الرجوع إلى الوراء لفوات الأوان، فهل من معتبر.
يتبع
([1] ) والعمية بمسر العين وتشديد الميم المكسورة فعيلة من العمى صيغة مبالغة وهي الضلالة.
([2]) نقله الملا علي القارئ عنه في مرقاة المصابيح (11/ 305).